الأقباط متحدون - قصة قصيرة قصة حقيقية الكاتب جى دو موباسان
  • ٠٩:٤٩
  • الاثنين , ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١
English version

قصة قصيرة قصة حقيقية الكاتب جى دو موباسان

نجيب محفوظ نجيب

مساحة رأي

٠٥: ١١ ص +00:00 UTC

الاثنين ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
ترجمة : نجيب محفوظ نجيب.
كاتب و باحث و مترجم.
كانت رياح عظيمة تهب فى الخارج، وهى رياح خريفية جامحة وعاجلة، واحدة من تلك الرياح التى تقتل الأوراق الأخيرة وتحملها إلى السحب.
 
كان الصيادون ينهون عشاءهم و ما زالوا يرتدون أحذية حمراء، متحركة و مضاءة. لقد كانوا أنصاف اللوردات من نورماندى، أنصاف النبلاء الريفيين، وأنصاف الفلاحين، الأغنياء والنشطاء، الذين تهيأوا  ( استعدوا ) لكسر قرون الثيران عندما يوقفوهم فى الأعياد الشعبية.
 
كانوا يقومون بالصيد طوال اليوم في أراضى السيد بلونديل، عمدة ايبرفيل، وهم الآن يأكلون حول المائدة الكبيرة، فى محيط مزرعة القصر التى كان يملكها مضيفهم.
 
كانوا يتحدثون مثل الصياح، يضحكون مثل زئير الحيوانات المتوحشة و يشربون مثل الصهاريج، أقدامهم  ممدودة، مرفقيهم على مفرش المائدة، وأعينهم تتألق و تلمع تحت لهيب المصابيح، وتسخن بموقد هائل كان يلقى بأضواء دامية على السقف؛ كانوا يتجاذبون أطراف الحديث حول الصيد والكلاب. لكنهم كانوا ، فى الوقت الذى جاءت فيه أفكار أخرى للرجال، نصف رمادية، و كانوا يتتبعون بأعينهم فتاة قوية ذات خدود ممتلئة كانت تحمل الأطباق العريضة المحملة بالطعام على طرف قبضتى يديها الحمراء.
 
فجأة، صاح السيد سيجور، الشيطان الكبير الذى كان قد أصبح طبيبًا بيطريًا بعد أن درس لكى يكون كاهنًا، وكان يعتنى بكل الحيوانات فى المنطقة:
 
 - كريبلو، السيد بلونديل، لديكم هنا بوبون لم تنقبه الديدان.
 
وأنطلقت ضحكة مدوية.
.
ثم رفع أحد النبلاء العجوز المتجرد من رتبته و المنغمس فى شرب الكحول، السيد دو فارنيتو، صوته:
 
- أنا الشخص الذى كان لديه فيما مضى قصة غريبة مع فتاة صغيرة مثل هذه!
 
أستمع، يجب أن أحكى لك هذه القصة.
في كل مرة أفكر فيها، تذكرنى بميرزا ، كلبتى التى كنت قد بعتها إلى الكونت دو هوسونيل والتى كانت تعود كل يوم، بمجرد أن كان يتركها، لم تستطع ان تتركنى. في النهاية شعرت بالغضب و طلبت من الكونت أن يضعها فى السلسلة. هل تعلم ماذا فعلت هذه الحيوانة؟ ماتت حزنا.
 
لكن، بالعودة إلى خادمتى، هذه هى القصة:
 
 
كان لدى وقتها خمسة و عشرون عاما وكنت اعيش كصبى فى قصرى فى فيلبون. كما تعلم، عندما تكون شابا صغيرا، ولديك دخل، وتنزعج كل ليلة بعد العشاء، لديك عيون فى كل الجوانب.
 
سرعان ما اكتشفت شابة صغيرة كانت فى الخدمة لدى ديبولوه من كوفيل. أنت تعرف ديبولوه جيدًا، أنت يا بلونديل! على أى حال، لقد تملقتنى جيدًا، الوغدة، فى أحد الأيام ذهبت للبحث عن سيدها وعرضت عليه صفقة. أن يترك لى خادمته وأبيعه فرستى السوداء، كوكوت، التى كان يريدها منذ عامين تقريبًا. مدّ يده إليّ : " كفك هنا ، السيد دو فارنوتوه ". "و قدكانت صفقة؛ جاءت الصغيرة إلى القصر وأنا نفسى قدت فرسى إلى كوفيل، و التى تركتها مقابل ثلاثمائة دينارا.
 
فى الأيام الأولى، كانت الأمور تسير كالساعة. لم يكن أحد يشك فى أى شىء. فقط روز هى التى كانت تحبنى أكثر قليلا لذوقى. هذه الطفلة، كما ترى، لم تكن مجرد أى واحدة. كان يجب أن يكون لديها شىء غير عادى فى عروقها.  جاء هذا أيضا من أنها كانت ابنة فتاة ما كانت قد أخطأت مع سيدها.
 
بإختصار، كانت تحبنى. لقد كانت ملاطفات، ومحبة و اسماء صغيرة لكلاب ، ومجموعة من الأوصاف العطوفة المثيرة للتفكير.
 
كنت أقول لنفسى ، " لا يجب أن يستمر هذا ، أو سأترك نفسى لكى أخدع !" لكننى لا أخدع بسهولة. أنا لست واحدًا من هؤلاء الأشخاص الذين يتم ملاطفتهم بقبلتين. فى النهاية، كان لدى العين. عندما أخبرتنى أنها حامل.
 
كان الأمر كما لو أننى أصبت برصاص مرتين فى صدرى. كانت تقبّلنى،  تضحك، ترقص، كانت مجنونة، ماذا! لم أقل شيئًا فى اليوم الأول؛ لكن فى الليل أدركت و تحققت. كنت أفكر، "هذا هو ؛ لكن يجب علينا تفادى الضربة، وقطع الخيط، إنه الوقت فقط. " أنت تفهم، كان لدى أبى  وأمى فى بارنفيل ، و أختى المتزوجة من ماركيز  ايسبار فى رولباك على بعد فرسخين من فيلبون. لا توجد وسيلة للمزاح.
 
لكن كيف أتخلص من هذا الأمر؟ إذا غادرت المنزل، سيتم الاشتباه فى شىء و تحدث ثرثرة. و إذا احتفظت بها، فسوف ارى الأدهى قريبًا ؛ وبعد هذا، لن أستطع ان اتركها هكذا.
 
 
تكلمت مع عمى، البارون دو كروتوى، وهو أرنب عجوز كان يعرف أكثر من واحدة ، وطلبت رأيه. فأجاب بهدوء:
 
- يجب أن تتزوجها يا ولدى.
 
قفزت.
 
- أن اتزوجها، عمى، ولكن من؟
 
هز كتفيه بهدوء:
 
- تتزوج من تريدهها، إنه  أمرك وليس أمرى . عندما لا نكون أغبياء نجد دائما.
 
 
فكرت جيدا فى هذه الكلمة ثمانية أيام، وانتهى بى الأمر بان اقول لنفسى:  " لديه حق، عمى".
 
لهذا بدأت أعصر فكرى  وأبحث؛ عندما قال لى قاضى سلام الذى تناولت العشاء معه للتو فى إحدى الأمسيات :
 
- لقد فعل ابن الأم بوميل شيئًا غبيًا للتو؛ سينتهى بشكل سىء، هذا الصبى.
أنه جيد حقا أن كلب جيد يصطاد الأصل.
 
كانت الأم بوميل امرأة عجوز ماكرة تركت لشبابها شيئًا مرغوبًا فيه. لدينارا واحدا، من المؤكد أنها كانت ستبيع روحها و إبنها الشقى فوق البيعة.
 
ذهبت لأجدها، وبهدوء جعلتها تفهم الأمر.
 
عندما كنت مرتبكا فى توضيحاتى، سألتني فجأة:
 
- ماذا ستعطى لهذه الصغيرة؟
 
كانت المرأة العجوز مكارة، لكننى لست غبيا، لقد أعددت أمرى .
 
كنت أمتلك بالفعل ثلاث قطع من الأرض فقدت بالقرب من ساسفيل، والتي كانت تعتمد على مزارعى الثلاث في فيلبون. دائما كان يشتكى المزارعون من أنها كانت بعيدة ؛ باختصار ، لقد استوليت على هذه الحقول الثلاثة، ستة أفدنة في المجموع ، وكما كان يصرخ الفلاحون، سلمت لهم، حتى نهاية كل عقد إيجار، جميع الحقوق الخاصة بهم طيورا . بهذه الطريقة مر الأمر.
 
لهذا، بعد أن اشتريت قطعة من الساحل من جارى السيد اومونتيه، بنيت فوقها كوخا، كل هذا مقابل 1500 فرنك. بهذه الطريقة ، كنت قد أقمت للتو خيرا صغيرًا لم يكن يكلفنى كثيرًا، و أعطيته للفتاة الصغيرة كمهر.
 
صرخت العجوز مرة أخرى: لم يكن هذا كافيًا. لكنى تمسكت، وافترقنا دون أن ننتهى من أى شىء.
 
فى اليوم التالى، عند الفجر، جاء الرجل ليبحث عنى. لم أكن أتذكر وجهه أبدا. عندما رأيته اطمأنيت. لم يكن سيئا كفلاح. لكنه يبدو مثل الوغد الوقح.
 
أخذ الشىء من بعيد كما لو كان قد جاء ليشترى بقرة. عندما اتفقنا، أراد أن يرى الخير؛ و ذهبنا عبر الحقول. جعلنى الوغد أقيم ثلاث ساعات على الأرض؛ كان يمسح الأرض ويقيسها ويأخذ قطعا من الطين المتماسك و يسحقها فى يديه، كما لو كان خائفًا ان يكون قد أخطأ فى البضاعة. نظرًا لأن الكوخ لم يتم تغطيته بعد ، فقد طالب بلوحًا بدلاً من القش ، لأن هذا يتطلب صيانة أقل!
 
ثم قال لي:
- لكن الأثاث هل ستعطيه أنت لى ؟
اعترضت:
- لا؛ جميل أن أعطيك أصلا مزرعة.
 
سخر:
- كنت أعتقد مزرعة وطفل.
 
احمررت خجلا رغما عنى. تابع كلامه :
- هيا، ستعطى السرير، والطاولة، والدولاب، وثلاثة كراسى والأطباق ، أو لا يتم فعل أى شىء.
 
لقد وافقت على هذا.
 
وها نحن في طريق العودة. لم يقل أى كلمة عن الفتاة الصغيرة بعد. لكن فجأة سأل و يبدو عليه المكر  و الضيق :
 
- لكن، إذا توفت، إلى من سوف يذهب، هذا الخير؟
اجبت:
- لكن، لك، بالطبع.
 
كان هذا كل ما كان يريد أن يعرفه منذ الصباح. على الفور مد يده إلى فى حركة راضية. كنا قد اتفقنا.
 
أه ! على سبيل المثال، واجهت صعوبة فى أن أقرر روز. كانت تجذب نفسها عند قدميّ ، و كانت تبكى، وظلت تكرر: " إنه أنت الذى يقترح لى هذا! إنه انت ! إنه انت ! قاومت لأكثر من أسبوع رغم دوافعى و توسلاتى.
 
 أنهم أغبياء السيدات. بمجرد أن يضعوا الحب فى الرأس، فإنهم لا يفهمون أي شيء. لا يوجد شيء اسمه الحكمة يتمسكون به، الحب قبل كل شىء، كل شيء من أجل الحب!
 
في النهاية غضبت وهددتها بأن ألقيها خارجا. لهذا تراجعت شيئًا فشيئًا، بشرط أن أسمح لها بالمجىء لرؤيتى من وقت لآخر.
 
قدتها إلى المذبح بنفسى، ودفعت ثمن الاحتفال، وقدمت العشاء لحفل الزفاف بأكمله. لقد فعلت أشياء رائعة ، فى النهاية. ثم: مساء الخير يا أولادى! ذهبت لكى أقضى ستة أشهر مع أخى فى تورين.
 
عندما عدت، علمت أنها كانت تأتى إلى القصر كل أسبوع لتسأل عنى. وبالكاد كنت قد وصلت منذ ساعة عندما رأيتها تأتي مع طفل بين ذراعيها. ستصدقنى إذا كنت تريد، لكنها فعلت شيئًا لى لرؤية هذا الطفل. حتى أننى أعتقد أننى قد قبلته.
 
أما الأم فهى حطام، هيكل عظمى، ظل. نحيفة، عجوز . لعنة كبيرة، لم يكن يناسبها، الزواج!
 
سألتها بطريقة ميكانيكية:
- هل أنت سعيدة ؟
بدأت في البكاء مثل مصدر ماء، مع الفواق ، والبكاء ، وصرخت:
 
 - لا أستطيع ، لا أستطيع أن استغنى عنك الآن. أنا أفضل أن أموت ، لا أستطيع!
 
كانت تُحدث صوت من الشيطان. لقد عزيتها قدر ما استطعت و قدتها مرة أخرى إلى الحاجز.
 
علمت أن زوجها كان يضربها ؛ وأن حماتها كانت تجعل الحياة صعبة عليها، البومة العجوز.
 
بعد يومين كانت قد عادت. وأخذتنى بين ذراعيها ، ألقت نفسها على الأرض:
 
- اقتلنى ، لكنى لا أريد أن أعود إلى هناك.
 
هذا ما كانت ستقوله ميرزا لو كانت قد تكلمت!
 
كل هذه القصص كانت قد بدأت تزعجنى. وكنت قد رحلت فى إجازة لمدة ستة أشهر أخرى. عندما عدت، علمت أنها ماتت قبل ثلاثة أسابيع ، بعد أن كانت ترجع إلى القصر كل يوم أحد ... دائمًا مثل ميرزا. كما ان الطفل كان قد توفى بعدها بثمانية أيام.
 
بالنسبة للزوج، فهو الوغد المؤذى، فقد ورث. لقد تحول بشكل جيد منذ هذا الحين، على ما يبدو ، هو الآن مستشار بلدية.
 
ثم أضاف السيد فارنوتوه ضاحكًا:
 
- لا تهتم ، أنا من صنعت الثروة لهذا الشخص!
 
ويختتم الطبيب البيطرى السيد سيجور بخطورة بإحضار كأس من ماء الحياة إلى فمه:
 
- كل ما تريد، لكن سيدات مثل هذه، لا يجب أبدا! .
 
18 يونيو 1882
 
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد